مُحرَّم او المُحرَّم هو الشهر الأول في التقويم الإسلامي. وهو أحد الأشهر الحُرُم المذكورة في قوله تعالى: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (التوبة: 36). والأشهر الحُرُم أربعة، رجب مفردا، وذو القعدة وذو الحجة والمُحرَّم متتالية، عن أبي بكرة بن الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَةِ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ..." (رواه البخاري). ويرجع سبب تسميتها بالحُرُم لأن الله تعالى حَرَّم فيها القتال بين الناس منذ عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، مرورا بالعصر الجاهلي، وحتى مجيء الإسلام الذي أكَّد على حُرمَة القتال في هذه الأشهر في قوله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ" (البقرة: 217). وقد أورد ابن كثير في تفسيره الحِكمَة من تحريم القتال في هذه الأشهر قائلا: "وإنما كانت الأشهر المُحرَّمة أربعة: ثلاثة سرد، وواحد فرد، لأجل مناسك الحج والعمرة، فحُرِّم قبل شهر الحج شهر وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحُرّم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحُرّم بعده شهر آخر وهو المُحرَّم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحُرّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمناً".
وأجمع الفقهاء على جواز قتال الدفع في الأشهر الحُرُم، فإذا ابتدأ المعتدون المسلمين القتال جاز قتالهم بالإجماع. أما قتال الابتداء، بمعنى أن يبتدئ المسلمون القتال في الأشهر الحُرُم، فقال بعض أهل العلم ان تحريمه مستمر لم يُنسَخ، مستدلين بالنصوص العامة التي تُحَرّم القتال في الأشهر الحُرُم، كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ" (المائدة: 2). وقوله تعالى: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" (التوبة: 5). وجمهور أهل العلم على ان حُرمَة القتال في هذه الأشهر قد نُسِخَت بقوله تعالى: "وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً" (التوبة: 36).
وجرت حكمة الله تعالى ان جعل مواسم للطاعات يُضاعَف بها الثواب وتَعظُم بها المعاصي والآثام. ومن هذه المواسم الأشهر الحُرُم، رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى "فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ" أنه قال: "أي في كلهن (جميع أشهر العام) ثم اختص من ذلك أربعة أشهر (الأشهر الحُرُم) فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم". وشهر مُحرَّم أحد هذه الأشهر التي ينبغي على المسلم أن يغتنمها بالطاعات والعمل الصالح وتجنب الوقوع في المعاصي والزلل. ويرجع سبب تسمية الشهر المُحرَّم لكونه شهراً محرماً وتأكيدا لتحريمه. ويرى بعض الفقهاء ان مُحرَّم أفضل الأشهر الحُرُم، والصيام من أعظم الأعمال الصالحة المستحب عملها في هذا الشهر المبارك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ" (رواه مسلم). فَيُستَحَب للمسلم الإكثار من صيام أيام مُحرَّم لاسيما اليوم العاشر من الشهر والذي يُسمى يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي نجَّى فيه الله تعالى نبيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ" (رواه البخاري). ويرى جماعة من الفقهاء ان صيام عاشوراء كان واجباً في أول الأمر بعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، لثبوت أمر النبي بصيامه، فعن سلمة بن الأكوع قال: "أَمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مِن أسْلَمَ: أنْ أذِّنْ في النَّاسِ: أنَّ مَن كانَ أكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَومِهِ، ومَن لَمْ يَكُنْ أكَلَ فَلْيَصُمْ، فإنَّ اليومَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ." (متفق عليه). ولما فُرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة نُسخ وجوبُ صوم يوم عاشوراء، وبقي على الاستحباب، ولم يقع الأمر بصيام يوم عاشوراء إلا في سنة واحدة، وهي السنة الثانية من الهجرة حيث فرض عاشوراء في أولها، ثم فرض رمضان بعد منتصفها. ويرى بعض الفقهاء ان صيام عاشوراء كان دائما مستحبا ولم يكن واجباً قط، لكنه كان قبل فرض صوم رمضان مستحبا على وجه التأكيد.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام حريصا على صيام عاشوراء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ" (رواه البخاري). وقد عَزَمَ النبي عليه الصلاة والسلام في آخر عمره في السنة العاشرة من الهجرة على ألا يصوم عاشوراء مفردًا بل يصوم قبله اليوم التاسع، لكنه لم يتمكن من ذلك فقد توفيّ عليه الصلاة والسلام قبل حلول مُحرَّم العام المقبل. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حِينَ صَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ، قالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ." (رواه مسلم). لذا يستحب صيام اليوم التاسع من مُحرَّم مع يوم عاشوراء مخالفةً لأهل الكتاب ولأنها كانت نية النبي عليه الصلاة والسلام. وصيام عاشوراء يُكَفِر صغائر ذنوب السنة الماضية، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" (رواه مسلم). وهذا من فضل الله تعالى ومنه ورحمته بعباده ان جعل صيام يوم واحد يكفر صغائر ذنوب سنة كاملة. لذا ينبغي على المسلم اغتنام الأوقات المباركة في الطاعة والعمل الصالح الذي يُرضي رب الأرباب ويرتقي بالعبد بالجِنان وينجيه من العذاب والنيران.
كتبه: مصعب العوضي